عاد الهدوء إلى العاصمة الليبية طرابلس على أثر اشتباكات بين مجموعات مسلحة موالية للحكومتين المتنازعتين، كانت قد اندلعت في 27 و28 أغسطس/آب 2022. وأسفرت الاشتباكات وفق حصيلة رسمية، عن سقوط 32 قتيلا و159 جريحا، كما ألحقت أضرارا مادية جسيمة في أحياء عدة

وحذر موقع إنسايد أوفرالإيطالي من العواقب المحتملة لهذه الاشتباكات بين مجموعات مسلحة تؤيد بعضها رئيس الوزراء المنتهية ولايته عبد الحميد الدبيبة، وتدعم أخرى على الجانب المقابل محاولات غريمه المعين من برلمان طبرق فتحي باشاغا لدخول العاصمة.

تراجع الاهتمام

كما استنكر الموقع تراجع الاهتمام الأوروبي والإيطالي بالملف الليبي، محذرا من التداعيات المترتبة على ذلك خاصة فيما يتعلق بملفات الهجرة والطاقة

وقال إن من مخاطر الظرف الحالي التوقف النهائي للحوار بين الطرفين وهو ما يشكل ظرفا ليس إيجابيا لإيطاليا التي تبدو عاجزة بشكل متزايد في السياق الليبي وغير قادرة على التدخل في الوضعيات التي تضر بمصالحها خاصة فيما يتعلق بالنفط والسيطرة على تدفقات الهجرة غير النظامية“.

وذكر أن وزير الداخلية السابق باشاغا حاول دخول العاصمة مما تسبب في رد فعل الطرف المقابل، وكان يأمل مثل الجنرال المتقاعد خليفة حفتر في أبريل/نيسان 2019، دعم المليشيات داخل طرابلس القادرة على فتح أبواب العاصمة الليبية لقواته العسكرية.

إلا أن قوة الردع الخاضعة لسيطرة وزارة الداخلية بقيادة عبد الرؤوف كارة انحازت إلى الدبيبة إلى جانب مجموعات مسلحة محلية أخرى وكانت النتيجة حرب عصابات في المناطق السكنية استمرت عدة ساعات.

وبحسب الموقع الإيطالي، لم تحدث حرب بين شرق البلاد وغربها وإنما دارت اشتباكات عنيفة بين مجموعات موالية لرئيسي حكومتين ينحدران من مدينة مصراتة.

ويرجح بأنه من الممكن أن تسهم هزيمة بعض المليشيات وتقوية البعض الآخر في إقامة توازن جديد في طرابلس بإمكانه أن يسهم في الحفاظ على هدوء واضح خلال الأسابيع القليلة المقبلة.

وتابع أن الاشتباكات الأخيرة ستخلف عواقب سياسية بعد أن خرج الدبيبة أقوى بينما مُني باشاغا بالهزيمة

في الأثناء، أكد الموقع أن ليبيا تواجه فترة أخرى من زعزعة الاستقرار الخطير، والجمود في المفاوضات من أجل صياغة دستور حقيقي والإعلان عن إجراء انتخابات جديدة

ويشرح بأن عنصر عدم الاستقرار لا يخدم المصالح الإيطالية ولا سيما أنه دون محاورين موثوقين يمكن أن تظل الملفات المتعلقة بالهجرة وموارد الطاقة معلقة

بدورها، حذرت اللجنة البرلمانية الإيطالية لأمن الجمهورية كوباسيرفي تقرير خلال أغسطس 2022، من أن الصراع الدائم والنمو المحتمل للنفوذ الروسي لا يسمح في الوقت الحالي بإحراز تقدم إيجابي نحو تحقيق الاستقرار الحاسم والمهم للمصالح الإيطالية، سواء فيما يتعلق بإدارة تدفقات الهجرة أو من ناحية إمداد موارد الطاقة“.

وبذلك، وجهت كوباسير أصابع الاتهام في المقام الأول إلى موسكو مبينة أن التزام روسيا في ليبيا لا يزال مكثفًا للغاية بسبب وجود مليشيات مجموعة فاغنر في برقة التي يسيطر عليها الجنرال حفتر“. 

بينما نقل الموقع الإيطالي عن مصادر دبلوماسية في طرابلس قولها إن الاشتباه في اندلاع الاشتباكات الأخيرة يتركز على مصر أكثر من الروس

وبحسب الموقع، تخاطر روما بعدم الوقوف في الموضع المثالي للدفاع عن مصالحها على إثر تراجع اهتمامها بليبيا وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من العجز في مواجهة تدفقات الهجرة غير المشروعة  انطلاقا من السواحل الليبية.

من جانبها، بينت الأكاديمية الإيطالية والخبيرة في الشأن الليبي، ميكالا ميركوريبأن المليشيات على كلا الجانبين تسيطر على الوضع في ظل غياب شخصية موثوقة على المستوى الوطني، وفق موقع إيل سوسيداريو“.

سياسة أحادية

وحذرت بالقول إنه منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، تخلت أوروبا وإيطاليا تمامًا عن الأجندة الليبية، وهذه مشكلة خطيرة للغاية لأن ليبيا تعد مصدر الطاقة الأساسي لبلدنا“.

وأجابت عن سؤال بشأن إمكانية عودة شبح الحرب الأهلية بأن الوضع خارج عن السيطرة منذ عدة أشهر خصوصا وأن هذه هي المرة الثالثة التي يحاول فيها باشاغا دخول طرابلس وهو ما ينذر بتفاقم العنف في أي لحظة

وأشارت إلى أن هذا سيعتمد بشكل كبير على دور المليشيات الداعمة للطرفين، إذ قد يتخلى الكثير منها عن دعم باشاغا، وكذلك دور حفتر، المقرب في البداية من وزير الداخلية السابق ولكنه الآن على اتصال بالدبيبة وفق بعض المصادر“. 

وترى أن المؤسسات الدولية مطالبة بمراقبة الوضع المتشكل ولن يكون ذلك إلا إذا أعادت اهتمامها بليبيا، التي أقصيت تماما عن أجنداتها لبعض الوقت، وخاصة الإيطالية، لتجنب تصعيد جديد وعدم استقرار سيؤدي إلى العديد من العواقب بالنسبة لروما“.

وقالت إن ذلك لا يتعلق بالزيادة الواضحة في تدفقات الهجرة فحسب، ولكن أيضا لصعوبة إيجاد مصادر بديلة للموارد التي تعد أساسية بالنسبة لنا مثل الغاز والنفط“.

وفي سؤال الموقع إن كان سبب عودة ليبيا إلى الفوضى يعود إلى حقيقة أن الغرب يركز على أوكرانيا منذ 24 فبراير/شباط 2022، أكدت ميركوري ذلك موضحة بأنه لا يمكن للسياسة الخارجية أن تكون أحادية الجانب وإنما يجب أن تتعامل مع سيناريوهات متعددة“.

وبينت بأن السيناريو الليبي على وجه الخصوص مرتبط بالأوكراني من حيث صادرات الطاقة ولا سيما في ظل الأزمة التي سببتها الحرب في أوكرانيا والبحث عن مصادر بديلة.

وحذرت من أن إهمال ما يحدث في ليبيا وتركها بين أيدي المليشيات دون فعل أي شيء، خاصة مع تدفق الغاز بشكل مباشر إلى إيطاليا عبر أنابيب تربط البلدين، بالتأكيد لا يساعدنا“. 

وأعربت عن أملها في أن تتمكن الحكومة الإيطالية القادمة من حل هذه المشكلة من خلال إعادة ليبيا إلى صدارة جدول أعمالها خصوصا وأن ما يحدث سيكون له عواقب لا من حيث الهجرة والإرهاب فحسب، وإنما أيضًا في مجال الطاقة.

واستبعدت الخبيرة أن يكون لروسيا مصلحة في زعزعة استقرار ليبيا لأنها تمارس الأعمال التجارية ولديها قواعد هناك، كما تفعل تركيا“.

 وتفترض بأن الدول الأخرى التي تدعم باشاغا على غرار مصر وفرنسا ستبحث عن بديل له لحماية مصالحها في حال فقد السياسي الليبي أهميته“. 

وأضافت أنها لا تعتقدبأن مليشيا فاغنر متورطة في تسهيل رحلات الهجرة غير الشرعية نحو السواحل الإيطالية للتأثير على الانتخابات، وإنما يقف وراءها حفتر خاصة عندما يشعر بأنه محاصر، لذلك لا يتردد في تذكيرنا بحضوره ونفوذه“.

وفيما يتعلق بالمخاطر على إمدادات الطاقة، بينت ميركوري أنه كلما زاد عدم الاستقرار في بلد ما، قلت فرص ممارسة الأعمال التجارية لأنه لا يوجد محاور جاد ولا يوجد فاعل مؤسسي واضح في ليبيا اليوم“. 

ومضت قائلة إن الكرة لدى المليشيات التي تفتح وتغلق آبار النفط والغاز لابتزاز إيطاليا وأوروبا“.

ودعت الخبيرة إلى ضرورة فتح مفاوضات بين الطرفين المتصارعين نحو مسار جديد يشمل تنظيم الانتخابات لتحقيق الاستقرار.

وبينت أن كلا الزعيمين الحاليين لا يملك دورا في المستقبل، فهناك شخصيات أخرى يمكن أن تلعب هذا الدور، لكن من الضروري التوصل إلى وقف إطلاق النار والجلوس إلى طاولة الحوار“.

_____________

مواد ذات علاقة