بقلم أحمد فوزي سالم

رسائل عدة يحملها فوز القيادي الإخواني خالد المشري برئاسة مجلس الدولة الليبي، في وقت شديد الصعوبة، حيث كان مستقبل حزب العدالة والبناء ـ الذراع السياسي للإخوان في ليبيا ـ على المحك بسبب التوترات السياسية واختلال موازين القوى، منذ أن دانت الكلمة العليا في البلاد لخليفة حفتر قائد الجيش الليبيي، بجانب ظهور سيف القذافي على المسرح هو الآخر، وكلاهما معروف بعدائه للجماعة، والعمل ضمن عباءة الحلف الإقليمي الجديد الراغب في اقتلاع جذور الإخوان من المنطقة للأبد.

كيف فاز المشري بمجلس الدولة؟

اقتنص خالد المشري منصب رئيس مجلس الدولة بعد انتخابات شرسة وصل فيها إلى الجولة الثانية، وأجريت بنظام بالاقتراع السري المباشر، وفاز بنسبة 64 صوتًا أمام خصمه عبد الرحمن السويحلي، وسلفه في المنصب الذي كان ينافس المشري بجانب أربعة آخرين، ليصبح القيادي الإخواني وأحد أشرس المعاديين لحفتر، على رأس مؤسسة مهمة للغاية بغض النظر عن الطعن فيها، ووصل إليها عبر إحدى آليات الديمقراطية، مما يعني عودة ثورة فبراير للواجهة من جديد، وإعادة بروزة أهدافها باعتبارها الحدث الأهم في تاريخ ليبيا.

شهدت الجولة الأولى من الانتخابات منافسة شرسة بين 4 مرشحين، قبل أن يحسمها المشري لصالحه في الجولة الثانية من الاقتراع، بينما تم انتخاب ناجي مختار عضو المجلس عن مدينة سبها، نائبًا أولًا، وعضو المجلس عن مدينة شحات فوزي العقاب نائبًا ثانيًا.

بعد إعلان فوز المشري، اندلعت حرب التصريحات داخل وخارج ليبيا، وانطلقت التحليلات تؤكد ضرورة عدم المبالغة بما حدث، خصوصًا أن المجلس الأعلى للدولة غير معترف به في العاصمة طرابلس

يبلغ المشري 51 عامًا، وكان عضوًا في المؤتمر الوطني العام السابق المنتهية ولايته، كما كان عضوًا في المجلس الأعلى للدولة عن مدينة الزاوية، وفي أرشيف الرجل ما يقول إنه من أشرس المعارضين للواء خليفة حفتر القائد العام للجيش الوطني الليبي، كما يعارض أيضًا – كما هو موقف الإخوان والإسلاميين بشكل عام – ما يسمى عملية الكرامة” التي يشنها حفتر منذ سنوات ضد الجماعات المتطرفة في البلاد، حسب ما هو معلن، خصوصًا في المنطقة الشرقية.

وتنص لائحة المجلس الأعلى للدولة على ضرورة انتخاب هيئة رئاسة للمجلس كل عام، والمجلس هو أحد الأجسام السياسية التي أفرزها الاتفاق السياسي الموقع بين الفرقاء الليبيين بمنتجع الصخيرات بالمغرب في 17 من ديسمبر من العام 2015.

إخوان وعسكر“.. متلازمة لن تنتهي

مهما حاولت فهم إذكاء أعضاء مجلس الدولة للقيادي الإخواني خالد المشري، والتسليم والتسلم بهذه الطريقة السلسلة، في أعلى منصب، بواحد من أكبر المجالس صاحبة النفوذ في ليبيا، على أنه تأكيد لرغبة بعض قوى النخبة المؤيدة للثورة الليبية، في ضرورة ترسيخ الآليات الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة والحفاظ على مكتسبات ثورة فبراير، خصوصًا أن ما يحدث في المنطقة، يؤكد أن هذه الفضيلة، قد تصبح من قواعد الشرك وخصال الشيطان في مرحلة لاحقة، إلا أن هناك من لا يريد فصل المشهد من جميع الاتجاهات، عن الصراع التاريخي بين الإخوان والعسكر، وخصوصًا بعد عزل الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي، والتنكيل بالإخوان في الأقطار العربية والمزايدة عليهم عالميًا.    

بعد إعلان فوز المشري، اندلعت حرب التصريحات داخل وخارج ليبيا، وانطلقت التحليلات تؤكد ضرورة عدم المبالغة بما حدث، خصوصًا أن المجلس الأعلى للدولة، غير معترف به في العاصمة طرابلس، حسب رأي المعسكر المعارض للإخوان، الذي يرى أن المجلس بأكمله يخالف الاتفاق السياسي، بما يعني أن مجلس الدولة لا يجوز له تشكيل هيئة رئاسية ولا حتى الاجتماع، إلا بعد 10 أيام من تضمين الاتفاق السياسي، في الإعلان الدستوري، وهو ما لم يحدث.

الانتخابات من وجهة نظر الأمم المتحدة، جديرة بإنهاء حالة الصراع السياسي والفوضى الأمنية

على الجانب الآخر، انطلق أنصار الإخوان واجتهدوا في تصوير الحدث باعتباره نصرًا كاسحًا للجماعة، على محاولات إبعادهم عن المشهد السياسي، ووضعهم في قمقم” مشابه لما حدث مع إخوان مصر، بل بالغ بعضهم في المطالبة بسحب البساط من تحت أقدام مجلس النواب، كما فعل عبد الرحمن السويحلي الرئيس السابق الذي أوعز للعالم أنه الرئيس الفعلي لليبيا، بما تجاوز فعليًا صلاحيات مجلس النواب؛ ومن هذا المنطلق، كان الرجل يلتقي الرؤساء وسفراء الدول الأجنبية، حتى بدا مجلس الدولة كأنه مجلس تنفيذي وتشريعي واستشاري في آن واحد، وهو ما أثار غضب معارضي الجماعة، وكانت تلك التصرفات، تدعو للانقلاب على روافد ثورة فبراير، ضمن المستقبل الذي يتشكل حديثًا، بما لا ينفصل عن الحالة الإقليمية.

الدلالات الموضوعية لانتخابات مجلس الدولة

رغم الحرب الدائرة التي تسير كما أسلفنا في ثنائية الإخوان والعسكر، فإن هناك في تحليل المشهد، ما هو أبعد من الأسئلة المعلبة؛ فما حدث في الكواليس وترجيح أعضاء مجلس الدولة لرئيس من معسكر الثورة الليبية، أهم كثيرًا من توصيف الحدث بالطريقة النمطية التقليدية، بجانب الآمال الكبيرة التي تعقدها بعض القوى الدولية المؤثرة على الرئيس الجديد لمجلس الدولة، في إنهاء تعثر تنفيذ اتفاق الصخيرات وتبريد حدة الانقسام السياسي، قبل اقتراب خطة الأمم المتحدة على نهايتها التي تأمل هي الأخرى، في إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية قبل نهاية العام الحاليّ.

الانتخابات من وجهة نظر الأمم المتحدة، جديرة بإنهاء حالة الصراع السياسي والفوضى الأمنية والصراع الدائر على السلطة منذ الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي عام 2011، وهي الآمال المعلقة حاليًّا على كتفي المشري المعروف في الأوساط الدولية بالشخص المرن والمعتدل، كما أنه يحظى باحترام وقبول كبيرين، بغض النظر عن موقفه الشخصي من حفتر وعملية الكرامة.

يبدو أن خالد المشري، يعلم جيدًا اتجاهات المجتمع الدولى حاليًّا، لذا سارع بتلميع انتمائه إلى حزب العدالة والبناء، بمعزل عن الجماعة

بجانب المشري تعول بعض الأطراف الدولية، على أرشيف حزب العدالة والبناء الذي ساهم بقوة في المفاوضات التي سبقت توقيع الاتفاق السياسي نهاية العام 2015، بل ووقع الاتفاق لاحقًا أبرز قيادات الحزب ممثلًا بصالح المخزوم نيابة عن المؤتمر الوطني المنتهية ولايته، بما يعد دليلاً إضافيًا على رغبة الإخوان في المشاركة في الاتفاق وبقوة.

ما يعزز هذه الثقة خلال الفترات القادمة، دعوة المشري في أول تصريح له عقب انتخابه، للأمم المتحدة إلى ممارسة عملها في ليبيا ومساعدة الليبيين على الوصول إلى حل سياسي، وهي اللغة المستساغة في الأعراف الدولية، وترجح دائمًا عن اللغة المتعالية التي تحبذ التهديد وترجح كفة القوة على الحوار، كما يحدث دائمًا من الأطراف العسكرية

يبدو أن خالد المشري، يعلم جيدًا اتجاهات المجتمع الدولى حاليًّا، لذا سارع بتلميع انتمائه إلى حزب العدالة والبناء، بمعزل عن الجماعة، واعتباره حزبًا سياسيًا، يجوز له في العمل السياسي ما لا يجوز للجماعات الأيدلوجية أن تمارسه على أرض الواقع، في إشارة إلى إبعاد الإخوان عن السياسة خلال الفترة القادمة، كما أكد أن مسؤولية ليبيا لا يقوى عليها الحزب الذي ينتمى إليه منفردًا، مما يعني أن جميع الأطياف الليبية مدعوة إلى مائدة الحوار للمشاركة في الحل والمستقبل على حد سواء.

تصريحات الرئيس الجديد لمجلس الدولة، تشير بما لا يحتمل الشك، إلى تنازلات كبيرة ستقدمها جماعة الإخوان لطمأنة الجبهة الداخلية والمجتمع الدولى من ناحية، ولضرب مصداقية مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الوطني الانتقالي الأسبق الذي هاجم الإخوان بشراسة خلال الأيام الماضية، وحملهم مسؤولية تفاقم الأوضاع في لبيبيا من ناحية أخرى، لذا سيحاولون جاهدين تحسين صورتهم، لدى الشارع الليبي.

وقد تضحي جماعة الإخوان ببعض الشخصيات المتشددة التي كانوا يدعمونها سابقًا وتأخذ موقفًا عنيفًا من الحوار مع أشخاص بعينها، وهو تصرف حميد بالطبع، فما حدث بالمنطقة، كافٍ جدًا لاعتبار منصب المشري الجديد، منحة إلهية قد لا تعود مرة أخرى، لإنقاذ الجماعة من شراك المهلكة التي وقعت فيها على جميع المستويات والأقطار العربية، ولا تعلم كيفية الخلاص منها حتى الآن.

***

أحمد فوزي سالم ـ كاتب ومدون مصري

_____________

مواد ذات علاقة