بقلم علي عبداللطيف اللافي

تتطور الساحة الليبية بشكل سريع على كل المستويات وخاصة في المجالين السياسي والعسكري الميداني في الجهات الثلاث ( الشرق – الغرب – الجنوب)، ورغم تعقد المشهد وتشابك تفاصيله المُتعددة إلا أن الذهاب للحل السياسي أصبح أمرا واقعا في رؤية جميع الفُرقاء.

الجزء الأول

لا شك أن مُلامسة ومُعالجة والقبول بالتفاصيل يختلف حتى داخل مكونات كل طرف من فرقاء الصراع المتنامي والمتفاقم منذ 2014 نتاج التداخل بين المحلي والإقليمي والدولي.

ذلك أن الصراع أصلا بُني وقام على أنه صراع بالوكالة بين مُمثلين محليين ضيقي الأفُق تُملى عليهم (نتاج عوامل ذاتية وموضوعية) من طرف اذرع إقليمية تشتغل بطبيعتها لصالح قوى دولية تطمح عمليا لنهب ثورات ليبيا الهائلة والنادرة ومن أجل مرور سريع ولوجستي لاحق للعمق الافريقي.

وبناء على كل ذلك تترنح دوما المبادرات والحُلول السياسية، فهل ستشهد مبادرة الحل لمجلسي “الأعلى للدولة” و”النواب” بإعادة تشكيل المجلس الرئاسي وتكوين حكومة انتقالية مؤقتة بصلاحيات واسعة تقوم بمصالحة وطنية وتجعل مسار الانتقال الديمقراطي أمرا واقعا، نفس مصير المبادرات السابقة.

ليس خافيا أن البعض في طرابلس والبيضاء وسبها، يرى أن المجلسين لم يتحركا إلا حفاظا على موقعيهما خلال ما تبقى من الفترة الانتقالية وأيضا من اجل استباق نتائج المؤتمر الدولي في شياكا (أو باليرمو) الإيطالية يومي 12-13 تشرين الأول/نوفمبر القادم.

ماهي ماهية التركيبة المُسرّبة والمتداولة للرئاسي (شلقم – العبار – بشاغا)؟ ومدى قابلية تجسيدها وما هي استتباعاتها العملية في ظل تنامي الصراعات السياسية والعسكرية بين الفينة والأخرى في بلد أراد الشهيد البطل عمر المختار أن ينتصر أهله وساكنيه على الفقر والظلم والاستعمار وعلى كل ما يُسئ للعرب والمسلمين والأفارقة بل وللناس كل الناس؟

أولا: حيثيات وتفاصيل التركيبة المتداولة

1- تفاصيل الخبر المتداول وبقية التسريبات الموازية

رغم أن الحوار بين المجلسين بدأت أولى خطواته مند بداية ابريل الماضي في الرباط بين “عقيلة صالح” و”خالد المشري” وتواصل في أكثر من محطة وصولا الى جلسات الضاحية الشمالية للعاصمة التونسية في منتصف شهر أيلول/سبتمبر الماضي، الا أنه تم صبيحة السبت 29 أيلول/سبتمبر الماضي وبشكل واضح تداول خبر الاتفاق بين مجلسي النواب في طبرق والمجلس الأعلى للدولة على مقترح تركيبة أولى كالتالي:

تركيبة الرئاسي المتداولة

ـ عبد الرحمن شلقم كرئيس للمجلس الرئاسي القادم وممثل للجنوب الليبي في المجلس, وهو السياسي والأديب ووزير الخارجية الأسبق في نظام السابق.

ـ عبدالرحمن العبار كنائب اول للرئيس وممثلا للمنطقة الشرقية في المجلس، وهو الرئيس الحالي لبلدية بنغازي، والنائب العام في النائب السابق.

ـ فتحي بشاغا كنائب ثاني للرئيس وممثلا للمنطقة الغربية في المجلس، وهو النائب عن مصراتة واحد النواب المقاطعين في البرلمان .

وبالتوازي مع ذلك تم تسريب أكثر من تركيبة أخرى غلبت عليها جميعا عقلية حرق اعلامي لبعض الأسماء قبل بت وفدي المجلسين في التركيبة بشكل نهائي وذلك لا يعني أبدا أن تلك الأسماء لم تُقترح أو لم يتم تداولها بين الوفدين ومن تلك التسريبات نورد التركيبات التالية:

قائمة ثانية

ـ فائز السراج رئيس
ـ ادريس المغربي نائب أول
ـ عبد المجيد سيف النصر نائب ثان

قائمة ثالثة

ـ محمد حسن البرغثي/ رئيس
ـ بلقاسم اقزيط/ نائب أول
ـ حامد الحضيري / نائب ثان

قائمة رابعة

ـ عبدالرحمن شلقم /رئيس
ـ أحمد معيتيق / نائب أول
ـ علي القطراني / نائب ثان

وبالعودة للتركيبة الأولى (شلقم – العبار – بشاغا)، والمتداولة والتي لم يُؤكد أي طرف مقرب من المجلسين أنه لم يتم الاتفاق عليها، ورغم أنها ليست نهائية بسبب الاعتراضات على الأسماء الثلاث وأيضا بسبب عدم صدور بلاغ رسمي يؤكدها، فانه يمكن الجزم أن البعثة وممثلي الدول الخمس كانت قريبة من نقاش الأسماء بشكل غير مباشر وغير رسمي,

كما أن البعثة الأممية لم تعلق على الأسماء وأكتفت بالحديث عن تغيير السلطة التنفيذية، ومعلوم أن شلقم تواجد في تونس في نفس وقت وجود مُمثلين للمجلسين وخاصة رئيس الأعلى للدولة “خالد المشري”…

2- إطار تداول التركيبة

جرت مفاوضات بين المجلسين على أكثر من مرحلة كما أكدنا أعلاه وعمليا جرت الجلسات التفاوضية المباشرة في مرحلتها الأخيرة على مرحلتين في الضاحية الشمالية للعاصمة التونسية، ومن المنتظر أيضا أن تتم جولات أخرى وفقا للتطورات والهدف هو الذهاب لمؤتمر إيطاليا باتفاقات شبه نهائية، مع العلم أن خطواتها الأولى وترتيباتها سابقة لمعارك جنوب طرابلس أي قبل 27 أغسطس الماضي.

رغم أن المفاوضات تمت عمليا بين ممثلين عن المجلسين فان شخصيات شاركت في الحوارات وهم من حيث صفاتهم لا اشخاصهم أنفسهم الذين حضروا في مفاوضات النزل الغابي في أمستردام (نواب مقاطعين – نواب مباشرين من أنصار عقيلة صالح – أعضاء في المجلس الأعلى للدولة – ممثلين عن هيئة الدستور).

أما بخصوص الرعاية فقد تمت بدعم البعثة الأممية وممثلي الدول الخمس الكبرى، ومن بين النقاط المتفق عليها خلال الجلسات الاخيرة صيغة وطبيعة تركيبة المجلس الرئاسي والتي تم الاتفاق بشكل شبه نهائي أن تكون ثلاثية (عضو عن كل من الغرب والشرق والجنوب).

بل وتم أيضا تحديد الخطوط الكبرى لصلاحيات المجلس الرئاسي ولصلاحيات الحكومة الحالية كما تم طرح صيغ توحيد المؤسسات العسكرية والأمنية والاستثمارية وبقية المؤسسات السيادية.

رغم كل ما رُوّج من اشاعات، فإن الأحزاب لم تشارك في الحوارات الأخيرة كأطراف وانما من داخل المجلسين (الأعلى للدولة – النواب).

3- مسارات البعثة وفكرة الغاء كل الاجسام وٍرؤية المجلسين

اعتقد بعض المتابعين خطأ، أن الامر حُسم وأن التركيبة جاهزة لتعويض المجلس الرئاسي الحالي، وهو أمر غير صحيح والأمر معقد أكثر مما يتصوره البعض لان هناك خطوط موازية لهذا الفعل كالتالي:

السراج ومحيطه ومن ورائهم جهات أخرى محلية واقليمية وربما دولية، تٌناور لإرباك مآلات ونتائج الحوار بين المجلسين التشريعيين (“الأعلى للدولة”، “النواب”)، ولعل تصريحات وزير الخارجية محمد سيالة وطلبه من مجلس الأمن أن تقوم البعثة بمهمات أمنية مستقبلا، في بعض أبعادها التكتيكية تذهب في هذا الاتجاه.

البعض يُؤمن بأن كل الاجسام يجب الغاؤها قبل مؤتمر إيطاليا القادم وتكوين جسم هجين في انتظار الانتخابات القادمة يعتمد في أغلبه على ممثلي البلديات (باعتبارهم منتخبين) وممثلين عن المجتمع المدني عن القبائل والمدن، ويرى هؤلاء ان أعضاء المجلسين يُريدون الاستئثار بالبقاء في السلطة حتى الانتخابات القادمة والتي من الصعب اجراؤها حتى حسب تصريحات المبعوث الاممي غسان سلامة قبل أقل من ست أشهر أي أنها لن تُجرى في كل الحالات قبل مارس 2019.

 جزء من أنصار النظام السابق يشتغلون على خطة جلب الروس لليبيا استئناسا بتجربتهم في سوريا بل أنهم روجوا لذلك لدى قيادة “الكرامة” (بزعامة اللواء المتقاعد خليفة حفتر)، وهم اليوم في جزء منهم يُلوحون بخطة الإعلان عن حكومة مؤقتة من موسكو وهي في الواقع غير ممكنة بل هي فكرة قديمة وتعود الى سنة 2013.

 اللواء المتقاعد خليفة حفتر، ورغم أنه يُتابع بحذر مسار تغيير تركيبة المجلس الرئاسي والتي كان يصر عليها منذ أشهر، ألا أنه متوجس من ذلك رغم انه اشترط موافقته النهائية على ممثل الجهة الشرقية، الا أن الصراعات الأخيرة والايقافات الأخيرة داخل المحيط المقرب منه جعله يبتعد عن سيناريو بديل سماه بعض المتابعين بخطة الالتفاف التي كان يعد لها منذ أشهر كسيناريو بديل للحل السياسي وللحسم العسكري المباشر والذي أصبح على قناعه أنه مستحيل التفعيل في ظل الموازنات الدولية والإقليمية والمحلية.

البقية في الجزء الثاني

***

علي عبداللطيف اللافي ـ كاتب ومحلل سياسي مختص في الشؤون الافريقية

___________

المصدر:رؤية ليبية ، العدد 16 بتاريخ 7 اكتوبر 2018

مواد ذات علاقة