بقلم السنوسي إسماعيل

إن الحرب في مرزق تضرر وتشرد منها سكان مرزق وليس غيرهم؛ وإن التوصل لإتفاق بضمانات لعودتهم لديارهم سلميا ممكن؛

حينما ننظر للواقع بعين فاحصة نكتشف أن السلام بين جميع مكونات مرزق ممكن لانه هو القاعدة منذ قرون متطاولة ممتدة في عمق تاريخ فزان المحكوم قدرا بالعلاقات الأخوية الليبية التشادية .

إن الجالية التشادية موجودة في كل مدن الجنوب كما أن الجالية الليبية موجودة في شمال تشاد وهي من صنف ( البدون)؛ فما هي المشكلة؟

المشكلة في مرزق أن هناك صراع سياسي يضر أهل مرزق ولا ينفعهم يقوم بموجبه طرفا الصراع بتجنيد ليبيين وتشاديين وغيرهم والزج بمرزق في أتون حرب سياسية لاناقة لسكان مرزق فيها ولا جمل؛

ومادام الصراع مستمرا سيتشرد سكان مرزق المسالمين المدنيين العزل وسيحرم الكثير من الليبيين والتشاديين من سبل العيش ولو كان في حده الأدنى .

إن الطريق من سبها إلى مرزق ينتهي بمرزق وما بعدها إلا صحراء تسكنها أمة التبو فقط؛ وهي أمة لا تعترف بالحدود ولا بالحواجز؛

إن قبائل التبو مترابطة ترابطا قويا ليس فقط فيما بينها بل حتى بقبائل عربية كانت وبعضها لازال في تشاد البر الآمن الذي توفر لتلك القبائل التي كانت مطلوبة بالجملة ومحكوم عليها بالإعدام من سلطات الإستعمار الإيطالي؛ فعن أي تركيبة ديموغرافية نحن نتحدث؟!!

إنها تركيبة اجتماعية فريدة اختلط فيها العرب مع التبو طيلة مائة سنة؛ ولم يعد هناك فارق إلا قرارات الجنسية الليبية او الجنسية التشادية التي منحت لعرب دون عرب ولتبو دون تبو.

إن الفتنة بين التبو والعرب ماهي إلا فتنة سياسية صنعت في خارج ليبيا من مخابرات دول لا تريد رؤية ليبيا مستقرة فضلا عن مزدهرة؛

وفي جانب أخر تبرز ظاهرة الفتنة كإنعكاس للإضطهاد العرقي الذي مارسه النظام السابق على أمة التبو ليبيين وتشاديين وهذا بعد أخر يفسر وجود حالة توتر وعدم ثقة وخوف من تكرار الماضي الأليم في ذاكرة التبو ليبيين وتشاديين.

إننا حينما نضع يدنا على الجرح الحقيقي نعم قد نتألم ولكنها خطوة ضرورية نحو العلاج الشافي؛ يلزمنا ذلك أن نتفهم مطالب جميع الفئات وأن نكون منصفين في تقييم الاوضاع وواقعيين حينما نريد ان نحل المشاكل الحاصلة؛

وليس هناك فائدة في الحديث عن الجنسية ونحن بالأساس لم نبن دولة تمنح او تسحب الجنسية لمن أو ممن يستحقها أو لايستحقها!!!

أليس ذلك أمر عجيب ان نتباكى على جنسية دولة محطمة بائسة متشرذمة ونمارس نوع من الظلم لأنفسنا ولجيراننا بالنفخ في نار الفتنة في مرزق بدلا من التفكير السليم الموضوعي الذي يلزمنا بإطفاء نار الفتنة وترك الحديث عن الجنسية إلى حين قيام دولة الدستور والمؤسسات التي يتطلب قيامها حالة من الهدوء التام في ليبيا كلها؛

علينا أن نتعايش بسلام مع الجميع في فزان على وجه الخصوص نظرا لخصوصية الحالة الفزانية في كل ما يتعلق بالخلافات السياسية التي يختلط فيها الأيديولوجي بالإجتماعي بالديموغرافي حتى يحير الحليم في فهم تلكم الصراعات المصطنعة التي تتحول بسرعة البرق إلى حروب داحس والغبراء تلتهم الشباب الليبي والتشادي في ( غوط الباطل ) حسب التعبير الليبي الدارج أي ( الحرب العبثية )

ما الذي يدفعنا إلى تلك الخيارات العدمية والمعارك الدونكيشوتية في مشهد إنهيار دراماتيكي يسفك فيه الدم الليبي والتشادي في حلبة أشبه بالمعبد الذي هدمه شمشون الجبار قائلا عليَّ وعلى أعدائي!!!

هل وجود جالية تشادية – تدخل في صراع سياسي له ابعاد متعددة كما أشرنا سابقا – امر يبرر ان تحرق مدينة مرزق تحت شعار تحريرها؛ وربما تتسع الحرب لتشمل فزان وليبيا كلها وتشاد ؟!!

هل نحن أساسا قادرون على خوض حرب صحراوية اشبه بحرب تشاد العبثية الاولى التي أكلت زهرة الشباب الليبي والتشادي ودمرت الجيش الليبي وحطمت مستقبل كثير من العائلات الليبية والتشادية التى فقدت اربابها وأبنائها واهلكت الحرث والنسل؟!!

عودة إلى مرزق

اما لو نجحت مساعي الهيئة الفزانية والأعيان والشيوخ والحكماء في وقف الصراع وضمان عودة كريمة آمنة للمهجرين والتزام الجميع الأهالي وتبو ليبيين وتشاديين بالتعايش السلمي فهذا هو أفضل الخيارات التي يمكن من خلالها بناء ليبيا وبناء تشاد وعودة علاقات حسن الجوار كما كانت طيلة مئات من السنين فإن كانت الجنسية فرقتنا وحدود سايكس بيكو فلتجمعنا أواصر الصهر والجوار وإخوة الدين ووحدة المصير.

إن العنتريات والدونكيشوتيات لاتخدم سكان مرزق البالغ عديدهم ثلاثة وعشرون ألف نسمة لا يستطيعون حيلة ولايهتدون سبيلا بينما يتاجر البعض بقضيتهم لتصفية حسابات سياسية وأخرى اجتماعية؛

من كان يحب المرزقاوية المسالمين بمدنيتهم وثقافتهم وفنهم الراقي وحسن خلقهم وطيبة قلوبهم وحسن عشرتهم فعليه أن يساهم في إرساء دعائم السلام في مدينة السلام المحايدة (مرزق الجريحة) وأن يتم إعادة اللحمة بين أهلها بعيدا عن الخلافات السياسية؛ ومن كان له حسابات فليصفيها بعيدا عن مرزق وبعيدا عن فزان .

حفظ الله الشعب الليبي الكريم وحفظ الله مرزق مدينة السلام.

***

السنوسي إسماعيل ـ كاتب ليبي

___________

مواد ذات علاقة