بقلم د. ياسر عبد التواب

عملية التأثير في الرأي العام؛ هي عملية تبادلية تحتاج إلى استيعاب مناسب لعناصر أساسية.

الجزء الثاني

ثانيا العناصر المرتبطة بالجمهور:

 1-الدين والمؤثرات الثقافية:

يعد الدين أحد أهم مقومات التراث الثقافي. والدين بطبعه من العناصر الحضارية الراسخة التي لا تقبل الجدل، ولا تدخل في مجال الرأي العام، قبولا أو رفضا لأنه ثابت بذاته ومستقر في الرأي العام ورغم ذلك فهو يشكل عاملا شديد التأثير في توجيه الرأي العام في معظم بلاد العالم وفي كافة ميادين الحياة الاجتماعية والسياسية والعالمية.

ويشكل التراث الثقافي الآخر (العادات والتقاليد واللغة والمعتقدات) عنصرا مهما من عناصر تكوين الرأي العام، فهذا التراث يلعب دورا كبيرا في تكيف الأفراد والجماعات وتهيئتهم، لتبادل أفعال وردود أفعال معينة تحدد أنماط سلوكهم الاجتماعي، وقد ذهب “جون دولارد” إلى أنه في الإمكان علمياوعن طريق بضعة افتراضات معينة تحديد نوع الأفكار والآراء التي سيعتنقها شخص ما مسبقا قبل مولده، إذا قمنا بدراسة تراثه الثقافي

ومع أن القيم والعادات والمعتقدات الموروثة لا تصير من قبيل الآراء العامة، إلا أن لها وخاصة المعتقدات السيئة منها تأثيرا كبيرا جدا وبالغ الخطورة على تكوين الرأي العام، ذلك أن الجمهور في كثير من الحالات يستلهم هذه القيم والعادات في تكوينه لرأيه حول بعض المسائل الحالية المطروحة للمناقشة[4]، بل إن البعض قد يستغل هذه القيم والعادات لتوجيه الرأي العام توجيها يتفق مع مصالحه لتحقيق أهداف سياسية أو اجتماعية؛ كمثل ما حدث تاريخيا من ادعاء هتلر ونابليون ومينو اعتناق الدين الإسلامي عند غزوهم للعالم الإسلامي ليحدث تقارب نفسي نتيجة تقدير الناس لمن يتحول للدين الإسلامي ليسهل لهم التأثير فيهم لاحقا.

في نفس النقطة نقول؛ إذا أراد علماء الدين والدعاة أن يؤثروا في الرأي العام؛ فليرسخوا مفاهيم رشيدة عن المفاهيم الدينية تكون قريبة من المنهل الصافي للدين من الكتاب والسنة والبعد عن البدع والانحرافات العقدية، وليساهموا في دعم العادات والتقاليد الصحيحة، ورفض للعادات والتقاليد السيئة أو المنحرفة.

  2-التعليم:

لا يزال الاهتمام بالعلم منارة ونبراسا لكل متطلع للمعالي، حيث أعلى الإسلام من شأن العلم والعلماء فرأينا قوائم العلماء الكبار في الأمة وهي تضم المميزين منهم دون اعتبار لجاه أو مال أو عروبة أو نسب أو جنس أو جنسية؛ بل كان الأمر كله متعلقا بمدى إجادة وتميز العالم ومدى حرصه على تطبيق ما علم

وتبرز أهمية التعليم في أنه يساعد على التهيئة الفكرية للشعب ورفع قدرته على الحوار والمناقشة في إطار إدراكه لحقوقه وواجباته، وتجعله حريصا على أدائها وممارستها كما يقوم التعليم ببث ثقافة المجتمع التي يحرص على نقلها للطلاب.

ولقد أوضحت العديد من الدراسات التي أجريت على مستوى العالمين العربي والغربي؛ أن الاهتمام بالقضايا العامة وأوجه المشاركة السياسية وبلورة رأى عام واضح ومحدد؛ يظهر لدى المستويات التعليمية الأكثر ارتفاعا عن المستويات التعليمية الأقل. وتظهر أهمية هذه النتائج إذا عرفنا أن بعض الأقطار العربية تتجاوز نسبة الأمية فيها 80% من الجنسين وأن النسبة الأكثر في النساء عن الرجال.

ولكن ليس معنى ذلك أنه كلما ارتفع المستوى التعليمي للأفراد ارتفع معه الوعي الاجتماعي والسياسي، ولكن المقصود أن التعليم يساعد على بلورة الوعي السياسي والاجتماعي.

لذلك تكمن أهمية التعليم وخطورته في تشكيل العقول في مرحلتي الطفولة والبلوغ؛ حيث تؤثر الاتجاهات السائدة في التعليم تأثيرا كبيرا على تكوين الرأي العام داخل الدولة؛ خصوصا إذا قامت هذه الاتجاهات على أساس روح التفرقة العنصرية أو الدينية أو الطبقية وإذكاء روح التعصب، ذلك أن الفرد لا يستطيع في المرحلة الأولى من حياته أن يستخدم عقله للتمييز بين الحق والباطل، فيكبر الفرد ومعه بعض أنماط السلوك ومن الأفكار التي بلغت في نفسه مبلغ العقيدة. وإذا كان للتعليم كل هذه الخطورة في تشكيل العقولوبالتالي في توجيه الرأي العام فإن العديد من الشعوب المتحضرة تهتم بترسيخ القيم الدينية والأخلاقية في عقول النشء وتعمل على محاربة النعرات المتخلفة والتعصب الأعمى.

 وعلى أصحاب الرسالة كذلك أن يولوا التعليم اهتماما كبيرا سواء من ناحية وضع المناهج أو من ناحية التدريس ليصنعوا واقعا مؤثرا في المجتمع. ولن يحصل لهم التأثير في المجتمعات ما لم يفعلوا ذلك.

وللتأثير المباشر على الرأي العام سيتم ذلك لهم بالتذكير بما ترسخ في أذهان المتعلمين من القيم.

3-الأســــــرة:

يجب أن يولي أصحاب الرسالة عنايتهم بالأسرة عناية كبيرة سواء لأسرهم باعتبارهم يمثلون أفكارهم بصورة أو بأخرى، أو لأسر من يؤثرون فيهم وبالأسرة باعتبارها نواة للمجتمع بأسره.

حيث تعد الأسرة وطريقة النشأة فيها وأدوار أفرادها؛ أحد الروافد الكبرى المؤثرة في تشكيل البيئة التي تكون الرأي العام، حيث تعتبر الأسرة البنية الرئيسية للتنشئة الاجتماعية للفرد، وهي العملية التي تستنبط المعايير الاجتماعية لتمثل وتندمج في الشخصية النفسية وتصبح جزءا لا يتجزأ منها، فالتربية هي التي تنمي لدى الإنسان استعداداته وميوله وحاجاته وتكون الاستجابة لها في الامتثال للقواعد والمعايير الاجتماعية.

وتأثير الاسرة يتضمن غرس القيم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية، حيث تكون للتأثيرات المكتسبة في المراحل الأولى من العمر التأثير القوي والدائم، ومن التأثيرات التي تقوم بها الأسرة عملية تشكيل الاتجاهات تجاه السلطة. وبذلك تصبح الأسرة البؤرة أو المركز المنطقي للتأثير والذي يفوق كل الوسائل الأخرى.

والسلوك السياسي للإنسان الناضج يتحدد نتيجة للتنشئة التي تلقاها في مراحل العمر المختلفة، ويختلف النمو والإدراك السياسي في كل مرحلة من هذه المراحل؛ ففي المرحلة الأولى يتحدد انتماء الطفل لثقافة وتاريخ ونظام معين، أما المرحلة الثانية فهي المرحلة التي يتفهم فيها الطفل هويته ويزداد إدراكه للعالم السياسي والأحداث السياسية، أما المرحلة الأخيرة فهي التي يشارك فيها الفرد مشاركة فعلية في العملية السياسية من خلال عمليات التصويت وتولي المناصب السياسية.

وعلى الدعاة أيضا أن يسعوا لوضع مناهج تربوية؛ ترسخ مفاهيم العقيدة والأخلاق والمعاملات لدى الناشئة، لتواجه الكم الضخم من الانفلات الذي تحدثه الوسائل الأخرى الهدامة، وليكون ذلك مؤثرا في ترشيد الرأي العام.

خلاصة

إن فهذه العناصر كلها مجتمعة سواء كانت خارج الجمهور أو في تنشئته وفكره وثقافته هي تنتج الرأي العام وتنطلق منه. فمن يرد التأثير في الرأي العام بشكل صحيح؛ فعليه أن يرشد ذلك الجمهور؛ بأن يهيئ له بيئة مناسبة تنمو فيها الثقافة الحقيقية، ويبرز قادة حقيقيين وناصحين ومخلصين يؤثرون في الرأي العام للمجتمع كله.

سواء من خلال الفهم الرشيد للدين وأخذ التعليم ومناهجه منهج الجد، والعناية بالعملية التعليمية ومناهجها وبيئتها ومعلميها وإمكاناتها، وانتقاء الثقافة الاجتماعية الدافعة للتقدم، أو تنمية الأسرة بتماسك وثقافة تنويرية صحيحة، مع إيجاد بيئة الحرية والسياسية التي تشجع على الحوار وتنظر إلى الجمهور بشكل إيجابي دافع للإفادة والاستفادة، والتربية على الحوار، وبيئة إحقاق الحق، واستخدام وسائل الإعلام للتوعية الترشيد والحوار البناء وإظهار الحقائق وتداول المعلومات الصحيحة وغير المضللة.

في هذه الحالة فقط، وعند إيجاد هذه البيئة المتكاملة وهو تصور واقعي ليس حالما يمكننا أن نتوقع صدور رأي عام رشيد، يساهم في نهضة المجتمع ويضبط سلوكه وتصوراته وينجح في تلافي مشكلاته وعلاج انحرافاته .

***

د. ياسر عبد التواب ـ خبير إعلامي مصري، حصل على درجة الدكتوراه في الإعلام حول: “إعداد وتقديم البرامج الحوارية

_____________

المعهد المصري للدراسات


مواد ذات علاقة