بقلم خالد الورتاني

وجهت مؤخرا منظمة العفو الدولية دعوة للسلطات الليبية والمجموعات المسلحة التي تسيطر على المدن والبلدات الجنوبية لمراعاة الأشخاص الأكثر تهميشا في استجابتها لحالة الطوارئ الصحية في ظل تفشي وباء كورونا المستجد والمعروف علميا بـكوفيد-19″،

وهؤلاء الأشخاص هم قبائل التبو والطوارق الذين يعيشون أزمة هوية في وطنهم ليبيا منذ نظام القذافي.

هذه الأزمة وصفتها منظمة العفو الدولية بالتمييز المجحف في حق الأقليات العرقية، والذي من شأنه أن يخلق حواجز إضافية أمام حصولهم على الرعاية الصحية خاصة مع هشاشة القطاع الصحي في المنطقة الجنوبية لليبيا بسبب سنوات من الإهمال والنزاع المسلح وانعدام الأمن، لذلك فإن المنطقة غير مستعدة على الإطلاق للوباء بغض النظر عن مساعي السلطات المحلية لإدارة الأزمة.

التبو والطوارق

وعلى هذا الأساس فإن وضع التبو والطوارق يثير القلق بسبب المخاوف من أعمال العنف والنعرات القبلية التي عصفت بالمنطقة منذ ألفين وأحد عشر، الأمر الذي يجعل الوصول إلى المستشفيات أمرا شبه مستحيل خاصة عندما تكون هذه المؤسسات الصحية في مناطق خاضعة لسيطرة قبيلة منافسة، وهنا مثلا يتجنب التبو الذهاب إلى مستشفى سبها الذي يقع في جزء تسيطر عليه قبيلة أولاد سليمان.

امتنع التبو عن الذهاب إلى مستشفيات مدينة الكفرة التي تسيطر عليها قبيلة الزوية بسبب مخاوف أمنية أيضا تعود جذورها إلى ألفين واثني عشر، وحتى مع إبرام اتفاق سلام قبلي في نفس السنة

وتعود جذور الصراع بين التبو وأولاد سليمان إلى ما قبل سقوط القذافي، لكن ناره استعرت أكثر بعد ثورة السابع عشر من فبراير بعد حادثة مقتل أحد قادة قبيلة أولاد سليمان في منطقة قرب مدينة سبها، وحتى بعد رعاية إيطاليا لاتفاق مصالحة في ألفين وسبعة عشر بين القبيلتين تجددت الاشتباكات المسلحة بعد مرور قرابة عام على تهدئة الأوضاع، وإلى اليوم مازالت المخاوف قائمة.

قانون القوة والنفوذ القبلي

وقد تبدو هذه المخاوف مبررة لوهلة، خاصة أن مناطق جنوب ليبيا تحولت منذ ألفين وأحد عشر إلى ساحة مفتوحة يُحتكم فيها إلى قانون القوة والنفوذ القبلي، وظل سكان المنطقة على مدار السنوات الماضية، يشكون الإقصاء والغياب شبه التام للدولة، مع حرص غالبية القبائل على الاحتفاظ بالسلاح لحماية نفسها باعتبار أن المنطقة حدودية ومعرضة لخطر عصابات التهريب وغيرها.

ومع تسجيل حالات اعتداء أو اختطاف أو حتى قتل لبعض التبو داخل مستشفى سبها خلال السنوات الماضية، أصبح لزاما عليهم الذهاب إلى مستشفى مدينة مرزق التي تبعد قرابة مئة وثمانين كيلومترا عن مدينة سبها وغالبية سكانها من قبيلة التبو.

لكن وحسب منظمة العفو الدولية فإن مستشفى مرزق يفتقر إلى الأجهزة الطبية كما أن الإطار الطبي غير مدرب على التعامل مع جائحة كورونا.

أزمة الهوية؟

قبائل التبو والطوارق الليبية التي لها إمدادات في السودان والنيجر وتشاد ومالي والجزائر حرمت من الوثائق التي تثبت جنسيتها الليبية خلال حكم القذافي الذي استمر طيلة اثنتين وأربعين سنة

وكما سبها، فقد امتنع التبو عن الذهاب إلى مستشفيات مدينة الكفرة التي تسيطر عليها قبيلة الزوية بسبب مخاوف أمنية أيضا تعود جذورها إلى ألفين واثني عشر، وحتى مع إبرام اتفاق سلام قبلي في نفس السنة وإبقاء السيطرة في أيدي قبيلة الزوية شهدت المدينة موجات متواصلة من أعمال العنف، ولم تنجح حتى قوات حفظ السلام التي أرسلتها بنغازي في الحفاظ على الأمن في المنطقة.

هذه العوائق الأمنية في الوصول إلى الرعاية الصحية تقابلها عوائق أخرى متعلقة بالهوية كما أسلفنا سابقا، فأغلب مجتمعات التبو والطوارق في منطقة فزان (المنطقة الجنوبية الليبية) لا يملكون أوراقا ثبوتية ولا وثائق هوية تثبت جنسيتهم الليبية والتي تمكنهم في النهاية من التمتع بنظام صحي مجاني على هشاشته، لذلك فإن أغلبهم لا يستطيعون تحمل نفقات العلاج في المؤسسات الخاصة.

رحلة الاعتراف

ومع كل الإجراءات التي اتخذتها السلطات الليبية سواء في المنطقة الشرقية أو الغربية للحد من انتشار فيروس كورونا في البلاد، إلا أنه لم يتم اتخاذ أي خطوة لضمان وصول أقليات التبو والطوارق إلى نظام الرعاية الصحية العامة بدون وثائق هوية، رغم أن القانون الدولي الإنساني يلزم بمعالجة المرضى والجرحى دون تمييز أو تفرقة بغض النظر عن العنصر أو الجنسية أو الأصل العرقي.

قبائل التبو والطوارق الليبية التي لها إمدادات في السودان والنيجر وتشاد ومالي والجزائر حرمت من الوثائق التي تثبت جنسيتها الليبية خلال حكم القذافي الذي استمر طيلة اثنتين وأربعين سنة، مما خلق حواجز أمامهم في الحصول على التعليم والصحة والوظائف مثل بقية المواطنين، واليوم ما تزال رحلة الاعتراف بالأقليات وحقوقهم مستمرة وكل الوعود لهم لا تزال مجرد حبر على ورق.

***

خالد الورتاني ـ صحفي تونسي يعمل منتجا بقناة ليبيا الأحرار ومقرها مدينة اسطنبول تركيا

___________

مواد ذات علاقة