عبر الاستحواذ على الموانئ والحقول النفطية

بقلم عبد الرحمن أسعد

لا تتوقف الإمارات عن مدّ اللواء المتقاعد خليفة حفتر بشتى أنواع الدعم لبسط نفوذه العسكري في ليبيا، دون النظر إلى مخلفات هذه السياسة التي أرهقت الليبيين، في حين تواصل سعيها للسيطرة على أحد أهم مواقع النفط في العالم.

هذا السعي أدى إلى خسائر فادحة مني بها الاقتصاد الليبي الذي يعتمد على تصدير النفط، وآخر ما أعلن في هذا الصدد جاء في بيان للمؤسسة الوطنية للنفط التابعة لحكومة الوفاق المعترف بها دولياً، الخميس (20 فبراير 2020)، حيث كشفت عن تراجع إنتاج النفط إلى 123.537 برميلاً يومياً منذ إغلاق اللواء المتقاعد للموانئ النفطية، في 18 يناير الماضي.

وأوضحت المؤسسة أن الخسائر تجاوزت حاجز المليار دولار، مجددة دعوتها إلى إنهاء الإقفالات غير المسؤولة والمخالفة للقانون، والسماح باستئناف عمليات الإنتاج فوراً من أجل ليبيا وشعبها.

إغلاق المنشآت النفطية لم يقتصر أثره على الضرر الاقتصادي فحسب، بل امتد ليطول المواطن الليبي؛ إذ تعاني مناطق عدة في البلاد نقصاً في إمدادات الوقود والمحروقات بسبب الإغلاق من جهة، وتردي الأوضاع الأمنية من جهة ثانية.

الإمارات وحفتر يتحملان المسؤولية

عبد الحميد فضيل، أستاذ الاقتصاد في جامعة مصراتة، وصف إغلاق الحقول النفطية بأنها جريمة كبرى، مشيراً إلى أن المسؤول المباشر عنها هو خليفة حفتر، ويرى أن الأخير لم يقم بذلك طواعية، بل بإعانة من فرنسا بدرجة أولى، ثم الإمارات لأهداف عدة“.

وحول تلك الأهداف يرى فضيل الذي تحدث لـالخليج أونلاينأن الإغلاق يأتي لقطع أي موارد تغذي ميزانية حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً.

وقال: إن النفط يغذي قرابة 80% من موازنة الدولة، وإغلاق هذا المورد يعني امتلاك حفتر ورقة ضغط لتحقيق مكاسب سياسية، وإجبار حكومة الوفاق للجلوس معه على مائدة المفاوضات في القاهرة، خاصة أنه لا يمتلك أي مورد اقتصادي في ليبيا“.

وأضاف: “الإمارات تستفيد من هذه الأزمة من خلال تغطية العجز في السوق الدولية عبر زيادة إنتاجها وتأمين النفط عبر موانئها، وعليه فهي أزمة مفتعلة لها بعدان؛ سياسي واقتصادي“.

خراب الإمارات باستقرار ليبيا

ويرى أستاذ الاقتصاد الليبي أن الاستقرار في ليبيا يعني سحب البساط من تحت عدد من الدول المستفيدة من الأزمات والحروب المفتعلة، وعلى رأسها الإمارات، إذ تحتل ليبيا موقعاً جغرافياً مميزاً لكونها حلقة الوصل بين أفريقيا وأوروبا، فضلاً عن غناها بالموارد الطبيعية، وهو ما دفع أبوظبي للسعي لإيجاد موطئ قدم لها في البلاد.

البعد الثاني للأمر، بحسب فضيل، أن ليبيا أرض خصبة للاستثمارات الدولية، وأنها قادرة على استقطاب العديد من المشاريع في البنية التحتية، والاستقرار يعني البدء في هذه المشاريع وتحويل رؤوس الأموال الأجنبية من أبوظبي نحو طرابلس؛ ما يسبب أضراراً بالغة تطول الاقتصاد الإماراتي.

وأوضح أن اقتصاد الإمارات مبني على المضاربات والمراهنات التي تسبب أزمات اقتصادية خانقة على المدى البعيد، ووقوع الدولة تحت ظل حكومة الوفاق يعني البدء الفعلي في مشاريع بنية تحتية، الأمر الذي يفقدها ميزتها في المنطقة عبر استغلال الأزمات.

مليارات الدولارات لدعم حفتر

دفعت أبوظبي فاتورة حرب حفتر على العاصمة طرابلس، وخسرت عشرات المليارات حتى الآن لزعزعة الاقتصاد الليبي، لكن هذا قد يجنبها وفق فضيل“- خسائر على الأمدين المتوسط والطويل بمئات المليارات حال حدوث استقرار في ليبيا.

البلاد التي تتمتع بمقومات وثروات طبيعية هائلة؛ حيث الموقع الجغرافي والطقس المعتدل، والساحل الممتد قرابة 2000 كيلومتر على طول البحر، أغرت أبوظبي، وجعلتها تسعى للسيطرة عليها عبر وكيلها خليفة حفتر بحجة مكافحة الإرهاب، بحسب الأكاديمي الليبي.

واختتم أستاذ الاقتصاد بجامعة مصراتة حديثه بتأكيد أن مؤامرات الإمارات في ليبيا سيكتب لها الفشل بفضل شبابها الذين يدافعون عنها ببسالة، وبفضل الدعم التركي المقدم مؤخراً لحكومة الوفاق“.

رأس الشر بالمنطقة

من جهته يرى وزير الصناعة الليبي السابق، محمود الفطيسي، أن الإمارات هي المستفيد الأول من إغلاق الموانئ والحقول النفطية الليبية.

ووصف الوزير السابق الإمارات بأنها رأس الشر في المنطقة كلها، مؤكداً أن حفتر لا يفعل إلا ما يمليه عليه بن زايد، و(القيادي في حركة فتح الفلسطينية) محمد دحلان، وأن همه الوحيد هو الوصول إلى كرسي الحكم مهما كان الثمن“.

وذكر الفطيسي في حديثه لـالخليج أونلاينأن الإمارات لديها أموال مجمدة بقيمة 30 مليار دولار تقريباً لليبيا، ولا يستبعد أن تتصرف في تلك الأصول بصورة غير قانونية عبر دعم وكيلها في حربه على العاصمة“.

ويؤكد وزير الصناعة الليبي السابق أن ما يفعله حفتر هي محاولة لتركيع حكومة الوفاق، وتصدير النفط بطرق غير مشروعة للتصرف في العائدات، وتسوية بعض ديونه بالمصارف المحلية التي يسيطر عليها في شرقي البلاد“.

عجز مجلس الأمن

وبحسب الفطيسي فإن الأمم المتحدة ومجلس الأمن تتحكم فيهما دول كبرى، وحفتر مؤيد من فرنسا وروسيا، وبهذا تؤمن الإمارات دورها، ولن يكون هناك أي دور للمنظمة الدولية.

وتابع يقول: إن هناك مؤامرة فرنسية روسية إماراتية على ليبيا؛ فالدعم الروسي لا يتوقف عند الجانب السياسي، بل امتد ليشمل بعداً عسكرياً عبر مرتزقة فاغنر، وقد يتوسع ذلك إلى مرحلة أخرى، بينما تحاول أمريكا إبعاد الروس عبر دعم الأتراك في الملف الليبي“.

وأكد أن دور الإمارات هو ضرب ثورات الربيع العربي خدمة لأجندة صهيونية عبر عسكرة الدول وتقديم الولاء لأبوظبي وأعوانها، وبالطبع لو تحقق ذلك وتمكن حفتر من ليبيا فستكون لها اليد الطولى على النفط والموانئ ومقدرات ليبيا كافة“.

احترام إرادة الشعب الليبي

من جانبه يجد الاقتصادي والرئيس الأسبق لمؤسسة ليبيا للاستثمار، محسن الدريجة، أن الإمارات تريد حكماً عسكرياً في ليبيا، لكن الشعب الليبي بحكم تجربته السابقة مع الأنظمة العسكرية يرفض هذا الخيار بشدة، مشدداً بالقول: “يجب على كافة الأطراف احترام إرادة الشعب لكونها مشروعة ويجب أن تحترم“.

وفي حديثه لـالخليج أونلاينأشار الدريجة إلى رفض المجتمع الدولي لإغلاق الحقول النفطية، مبيناً أن الضغط في هذا الاتجاه ليس كافياً.

ووفق اعتقاده فإن هناك نوعاً من التوافق لكون الإغلاق يستخدم باعتباره ورقة ضغط للوصول إلى اتفاق حول حكومة جديدة، وأن الحوار السياسي هو الحل الوحيد لكافة الأمور العالقة في ليبيا، ومن ضمنها المؤسسات النفطية“.

ولا يستبعد الرئيس الأسبق لمؤسسة الاستثمار أن يكون إغلاق حفتر للموانئ محاولة لبيع النفط بشكل غير قانوني.

لكنه يقول إن هذا الاحتمال ضعيف، خاصة أن الموقف الدولي يرفض بيع النفط إلا عبر المؤسسة الوطنية للنفط، وعودة كافة أمواله لخزينة حكومة الوفاق الوطني.

_______________

مواد ذات علاقة